mardi 6 septembre 2011

بعد أن أفلت من غضب الشاذلي، مبارك أنقذ القذافي من عقاب زروال

زروال و القذافي خلال إحتفالات الثورة الليبية عام 1994
لا يمكن للجزائريين مهما حاولوا فهم أسباب تستر السلطات الجزائرية وإحجامها عن إثارة العديد من القضايا المصيرية الساخنة العالقة دون حل، منذ أكثـر من 30 سنة بين السلطات الجزائرية ونظام العقيد القذافي، رغم أهميتها القصوى من الناحية الأمنية والاقتصادية للحفاظ على مصالح الدولة والشعب الجزائري.

ويعد ملف ترسيم الحدود الشرقية بين ليبيا والجزائر، من بين هذه الملفات العالقة منذ عقود، دون أن تبادر السلطة في الجزائر إلى حسمه نهائيا مع نظام العقيد القذافي، الذي أصر، منذ فترة السبعينات خلال حكم الرئيس الراحل هواري بومدين، على اتخاذ موقف غير مفهوم من قضية ترسيم الحدود مع الجزائر، حيث كان يردد شعاراته المعروفة المنادية ”بتوحيد الأمة العربية وعدم الاعتراف بالحدود الموروثة عن الاستعمار”، تاركا الباب مفتوحا على كل مغامراته التوسعية الجنونية، حينها كان العقيد القذافي يطالب سرا وعلنا الجزائر بالتنازل على أكثـر من 50 ألف كيلومتر من أراضيها، الواقعة على طول الشريط الحدودي الممتد بين حوض غدامس والحدود مع دولة 
النيجر، باعتبارها أراضي كانت تابعة، حسب زعم القذافي، إلى المملكة الليبية.
الشاذلي كاد يرسل له قوات خاصة لتأديبه
لولا خوف القذافي من عواقب أية مغامرة طائشة يرتكبها، ستتبع لا محالة برد فعل قاس ومذل له، من الرئيس الصارم هواري بومدين، لأقدم على ارتكاب أحمق التصرفات، وهو ما أقدم عليه فعلا سنة 1980، عندما اقتحم بجيشه الحدود التونسية، وحاول احتلال منطقة قفصة التونسية، حينها استنجد الرئيس الراحل بورقيبة بالجزائر، ولولا تدخل الرئيس الشاذلي بن جديد، الذي هدد القذافي بعقاب قاس وبإرسال قوة خاصة من الجيش الجزائري لتأديبه بشدة، إن هو لم يسحب جيشه من أراضي تونس، لما انصاع القذافي لأية تنبيهات أخرى.
وباستثناء محاولة قام بها الرئيس السابق ليامين زروال مع العقيد القذافي، بين سنوات 1995 و1997، لإجباره على الاعتراف بالحدود الرسمية المثبتة في الخرائط الحالية بين الدولتين، لم يتخذ أي مسؤول آخر موقفا صارما وواضحا من هذه المسألة رغم خطورتها على أمن البلاد وخطورة القذافي على أمن كامل المنطقة.
وكان مسعى الرئيس ليامين زروال يهدف، خلال هذه الفترة بالذات التي شهدت تكالب قوى التخريب والإرهاب على الجزائر، إلى تأمين الحدود الشرقية مع ليبيا الممتدة على طول أكثـر من 900 كلم، لضبط إستراتيجية مكافحة الجماعات الإرهابية الإسلامية، التي كانت تنشط في الجزائر وتحظى بدعم المجموعات الإرهابية الأصولية الأخرى، التي كان الإرهابي أسامة بن لادن بصدد إنشائها بين سنتي 95 و96، والمتمركزة في السودان تحت رعاية السلطات السودانية.
عندما تحالف القذافي مع بن لادن 
وخلال فترة رئاسة السيد مقداد سيفي للحكومة كلفه الرئيس ليامين زروال، على عجل، بتفعيل ملف ترسيم الحدود مع ليبيا، بعد حدوث اختراقات أمنية، سنة 1996، للحدود الجزائرية، من منطقة ”العرق”، على بعد حوالي 200 كلم جنوب معبر ”الدبداب” الحدودي مع ليبيا، من طرف مجموعة إرهابية قدمت من السودان، لارتكاب أعمال إرهابية بالجزائر، منها تخريب وضرب منشات النفط والغاز بالجنوب.
وكانت المجموعة الإرهابية المتسللة بتعداد حوالي 400 إرهابي مسلحين بأسلحة ثقيلة ورشاشات وقنابل ومتفجرات، كان من بينهم عناصر من الجماعة الليبية المقاتلة، التي كانت تنشط في افغانستان، حيث تم سحق كل القافلة الإرهابية، بعد رصدها مسبقا وتركها وهي تتوغل في الصحراء، بقصف جوي مكثف من القوات الجوية، التابعة للقاعدة العسكرية الرابعة بورقلة، تم خلاله إبادة جل القافلة الإرهابية، وتم اعتقال عناصر إرهابية حيّة من جنسيات ليبية، سودانية، أريتيرية ومصرية.
وعقب هذه الحادثة، التي تؤكد كل الدلائل واعترافات الإرهابيين الليبيين والسودانيين، أن لنظام القذافي يدا فيها، انعقدت عدة اجتماعات مشتركة بين الحكومة الجزائرية وممثلي السلطة في ليبيا، أسفرت عن اتفاق الطرفين على تشكيل لجنة تقنية، عسكرية ومدنية، لترسيم الحدود، وهي اللجنة التي شرعت فعلا في عملها التقني لترسيم الحدود، إلا إنها توقفت فجأة عن العمل بقرار غامض من العقيد القذافي.
عندما أنقذ مبارك القذافي من عقاب الرئيس زروال
وعشية 26 من أكتوبر سنة 1997، يوم الإعلان عن تنظيم الانتخابات التشريعية في الجزائر، قام العقيد القذافي بالإعلان، في خطاب بثته وسائل الإعلام الليبية، من راديو وتلفزيون، أعلن ”أنه لا يعترف بالحدود الموروثة عن الاستعمار مع أية دولة عربية”.
وكان خطاب القذافي بمثابة إعلان حرب على الجزائر، التي كانت في حالة طوارئ قصوى، تحسبا لتنظيم الانتخابات التشريعية، حيث أثار إقدام عناصر من الجيش الليبي على التجاوز العمدي والاستفزازي للحدود الجزائرية بولاية إليزي، دون مبرر، من غضب قيادة أركان الجيش الوطني الشعبي، التي عقدت اجتماعا طارئا برئاسة الرئيس ليامين زروال، أسفر عن إعطاء الضوء الأخضر لتدخل القوات الجوية، لضرب وقصف أي تحرك لقوات ليبية على الحدود الشرقية، حيث حلقت طائرات مقاتلة لسلاح الجو الجزائري لساعات على طول الشريط الحدودي الليبي، تنتظر الأمر بضرب أهداف، كما تحركت القوات البرية من قاعدة ورڤلة باتجاه الحدود الجنوبية الشرقية مع ليبيا، لتعزيز التواجد العسكري لحرس الحدود، الذين تلقوا الأمر بإطلاق النار على كل تحرك مشبوه على الحدود.
هذه الحادثة، وما تلاها من رد فعل صارم للسلطة في الجزائر، أرعبت القدافي الذي التزم الصمت واتصل، حسب شهادات العديد من ضباط الجيش الجزائري الذين شاركوا في عملية تأمين الحدود، اتصل بالرئيس حسني مبارك ليطلب منه ”التدخل لتهدئة الأمور والتقليل من عصبية الرئيس ليامين زروال”، حيث تعهد القذافي لمبارك بعدم تكرار ما أسماه ”حادثة بسيطة”، مقابل توقف زروال عن تهديده له”، لتبقى بعدها قضية ترسيم الحدود عالقة لغاية سقوط طرابلس ونظام القذافي معها.
لغز مياه النهر الصناعي ودولارات التعويض للجزائر
كما ظل ملف المياه من بين الملفات العالقة الأخرى مع نظام القذافي، الذي قام بإطلاق ما اسماه ”مشروع النهر الصناعي العظيم” والذي استنزف فيه العقيد القذافي مياه البحيرة الجوفية الواقعة بحوض إليزي، والتي تعتبر ثـروة طبيعية مشتركة بين الجزائر وليبيا، لكونها تمتد ايضا في جزء منها داخل الحدود الليبية.
فمنذ أكثـر من عشرين سنة عن انطلاق المشروع، الذي يضخ ملايين الأمتار المكعبة من مياه بحيرة حوض إليزي، باتجاه سدود تجميع المياه بعدة مدن ليبية، لم يكلف القذافي نفسه عناء إبلاغ الجزائر بحقيقة المشروع، الذي يستنزف حصة ضخمة من الثـروة المائية الجزائرية، دون وجود آية اتفاقية في هذا الشأن تجيز لليبيا استغلال هذه المياه بشكل أحادي ومن جانب واحد ودون حساب.
هذه القضية، التي لم تتسرب أية معلومات حولها، من طرف السلطات الجزائرية، رغم حساسيتها وأهميتها لمصالح البلاد، ضلت في طي الكتمان لسنوات، رغم كل الدراسات والتقارير التي قامت بها وزارة الري، خلال الثمانينات وبداية التسعينات، والتي أكدت، أن القذافي يستنزف بنهره الصناعي المزعوم المياه الجوفية الجزائرية، التي تقدر كميتها، حسب الدراسات المنجزة، بحوالي 6 آلاف مليار متر مكعب من المياه، وهي ثـروة غير متجددة، ستنضب وتجف خلال السنوات العشرين أو الثلاثين القادمة.
وكانت حكومة مقداد سيفي قد ناقشت هذه المشكلة مع النظام في ليبيا، خلال اجتماعات عقدت بين سنوات 1996 و1997، حيث قيل حينها أن الطرف الليبي اقترح على الجزائر تقديم تعويضات عن استغلاله مياه بحيرة إليزي، قدرتها مصادرنا بحوالي 500 مليون دولار، إلا أن تفاصيل هذه الاتفاقية لم تخرج ابدأ للعلن، لتظهر معلومات أخرى لاحقا تشير إلى أن الليبيين عرضوا 500 مليون دولار في شكل استثمارات ليبية في قطاع السياحة وليس لتعويض الثـروة المائية التي يستنزفونها. وربما يكون مشروع إنجاز المركب الفندقي ”هيلتون” بوهران، أحد الاستثمارات التي تحدثت عنها بعض الأوساط كتسوية للخلاف على ملف المياه.
ويبقى لغز النهر الصناعي ومياه حوض إليزي والـ 500 مليون دولار، التي تحدث عنها الليبيون كتعويض عن سرقة مياه حوض إليزي وملفات أخرى، لا تزال عالقة وغامضة، قائما ليومنا هذا، عسى أن تفكر الجزائر في فتح النقاش بصراحة وشفافية مع السلطة الليبية الجديدة في طرابلس، بعد أن تأكد الجميع بأن القذافي ونظامه قد خرجا من طرابلس إلى غير رجعة، ليبقى السؤال مطروحا، هل ستتمكن الجزائر وليبيا من نسيان مرحلة جنون القذافي وطي صفحة الخلافات الظرفية الحالية وفتح آفاق مستقبلية للتعاون والتعايش السلمي بين 
البلدين ؟